ريماس
01-02-2018, 04:10 AM
https://www.kalimat1.com/upload/uploads/1514855395541.jpg
فقرة عن فصل الربيع
فصل الربيع من أعدل الفصول وأجملها ، ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ونسيمه معتدل بين اليبوسة والرطوبة، وشمسه معتدلة في العلو والهبوط ، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض ، قال بعض العلماء كانت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول وفي فصل الربيع أيضا، وأنشد في ذلك:
يقـول لسـانُ الحـال مـنهُ وقولُ الحق يعذبُ للسميعِ
فوجهي والزمانُ وشهر وضعي ربيع في ربيـع في ربيعِ
فالربيع حديقة غناء وجمال ساحر، يشهد للحق في سره، ويناجي الخالق بروعة دلاله وبهجة جماله، كان مادة شعرية للشعراء، سحرهم بجماله وبهرهم بدلاله فجادت قرائحهم أجمل الأشعار وأروع الكلمات فقال الشاعر صفي الدين الحلي:
خلعَ الربيع على غصون البـان حللا فواضلها عـلى الكثـبان
ونمت فروع الدوح حتى صافحت كفَلََ الكثيب ذوائبُ الأغصان
وتتوَّجت هام الغصون وضرجت خدَّ الرياض شقائقُ النعمان
وقال الشاعر مصطفى بطران:
سكب الربيعُ على الزمان جمالا وسرى الجمال على التلال تلالا
لا لستُ أنكر أنَّ سحرك رائـع وبديـع حسنك قد حـباك جمالا
سر وانطلق ها لون زهرك ناضر وعبير وردك كـم يفوح زلالا
وقال ابن خاتمة الأنصاري:
أهلا بأيام الربيع وطيبِها أُنسِ الخليعِ ونزهةِ المتبتّل
فالربيع يأنس به الفقير الذي يرى في جماله ما يعوضه عن الحرمان وفي ضحكته ما يجدد في نفسه الآمال ، وفي نسماته عبير المستقبل ، وهو روضة للعابدين وأنس للموحدين وسعادة للمشتاقين، يرون الجمال في الخلق فيسبحون الخالق، والتجدد في الأزهار فتتجدد لهم الآمال بغد إيماني تتفتح فيه أزاهير الطاعات في نفوسهم ، فلا يجد كل منهم نفسه إلا وهو يتساءل مع الشاعر مصطفى بطران:
منْ يا ترى أعطاك أكبر قوة عجـبا وحقا هل أروم سؤالا
من ذا الذي سواك تبعث بهجة في العالمين وتسعد الأحوال
ثم يجيب على لسان كل موحد وكل مؤمن ليكشف سر جمال الربيع :
أنا يا ربيع أراك نفحة خالق وهب الحياة محـبة وجلالا
إنَّ الذي سواك ربّ مبدع يهب الجمال لمن يشاء جمالا
فأنى وجدت الجمال فاسأل عن مبدعه وأنى رأيت الصنعة فاسأل عن صانعها، لا تجعل الجمال يحول بينك وبين من سواه، ولا تشغل نفسك بالرسالة وتغفل عن مرسلها.
فالربيع له رسالة، يبعث بها عبر نسماته وأزهاره وعبيره ، رسالة من كلمات:
أولا: يحكي بلسان حاله حكاية الإنسان، وتغير أحواله، كيف وجد وكيف كبر وكيف شب ثم كيف عاد الكرة إلى ضعف وذبول ثم موت ثم بعث من جديد، كل وردة من وردات الربيع وكل زهرة من زهراته وكل نسمة من نسماته هي شريط مصور، هي تاريخ متحرك هي سيرة خلق تخاطب كل عاقل: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ( الحديد: 20)، { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً}، ( الكهف: الآية 45).
رسالة تقول: {كلُّ منْ عليها فان ويَبْقى وجْهُ ربِّك ذو الجلالِ والإكرام} ( الرحمن: الآية 26)، فالبقاء لله تعالى خالق الجمال ومبدع الألوان ، فهو حي لا يموت ، لا يحول ولا يزول، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم لك أسلمت ، وبك أمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون" .
ثانيا: أن الجمال يحمل نقيضه ، والحسن يخفي ضده، ففي مقالة نشرها المركز الفلسطيني للإعلام على الإنترنت تكلم فيها كاتبها عن نباتات الربيع ومنها : نبات اللوف ويحمل الاسم العلمي (لوف فلسطيني) ، و تحمل هذه النبتة تناقضاتٍ كثيرة داخلها ، فهي خضراء غامقة بشكلٍ جميل و ساطع ، و في الوقت ذاته فإنّ أوراقها تبدو خشنة ، و الأغرب أنها سامَّة بجميع أجزائها ، و رغم ذلك فإنّ هناك من يبحث عنها ليأكلها و تشكّل طبقاً مفضّلاً لدى كثيرٍ من الفلاحين الفلسطينيين .
وعزّزت معلوماتٌ نُشِرت عنها كنبتة مقاومة للسرطان ، إلى إقدام أجيالٍ شابة بالبحث عنها، و اختراع أطباق مختلفة منها تختلف عن تلك التقليدية التي تجيد طهيها كبيرات السن، و يقول أبو حسن عوينة و هو خبير أعشاب: إنّ اللوف مقاومٌ فعلاً لأمراض السرطان، وأنّ فوائده الطبية معروفة للعرب منذ القدم، و يضيف أنه بعد تجفيفه فإنّه يصبح غير سام ، و يتمّ طهيه بعد تجفيفه للتخلّص من سميته و للتخفيف من دسمه.
فالطبيعة الجميلة هي سلاح ذو حدين، فهي هداية لمن نظر إليها بعين الحكمة وهي غواية لمن غفل عن الحكمة فيها ، شأنها كشأن نبات اللوف جميل المنظر نافع لعلاج الأمراض لمن اهتدى للسر المودع فيه، ولكنه خشن الملمس سم قاتل لمن غفل عن سره واشتغل بمظهره.
ثالثا: أن التغير في الطبيعة من تنقل الفصول وتلون الزهور وتفتح الورود كل ذلك شاهد توحيد وبرهان إيمان، فالطبيعة الجميلة تشير بلسان الحال لمبدعها وتهدي في تغير الأحوال لخالقها:
تأمَّل سطور الكائنات فإنها من الملك الأعلى إليك رسائـلُ
وقد خُط فيها لو تأمَّلت خطها ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلُ
تشير بإثبات الصفات لربِّها فصامتها يهدي ومن هو قائـل
ومن الحوارات التمثيلية التي تبرز هذا المعنى ما افترضه بديع الزمان النورسي من حوار بين شخص يمثل الشرك بأنواعه ويتحدث باسم الأسباب المادية والفلسفة الضالة ويقابله المخلوقات التي شهدت بلسان حالها حكمة الباري وحسن تنظيمه، فيقول المشرك:
- أنتم أيها البشر تبدون في فوضى، فلا أرى نظاماً ينظمكم، فانا لكم رب ومالك ، أو في الأقل لي حصة فيكم، فردّ عليه حالاً نوع الإنسان بلسان الحق والحقيقة وبلغة الحكمة والانتظام: إن كنت ربَّا ومالكاً - أيها المدعي – فأين قدرتك التي تمكنك أن تُلبس الكرة الأرضية حلّة قشيبة ملونة بألوان زاهية منسوجة بكمال الحكمة بخيوط أنواع النباتات والحيوانات التي تزيد على مائة ألف نوع الشبيهة بنوعنا الإنساني، وتكون بوسعها نسج ذلك البساط البديع المفروش على الأرض من خيوط مئات الآلاف من أنواع الكائنات الحية، والتي هي في أبدع نقش وأجمله. وفــضلاً عن خـلق هذا البساط الرائع، تجدده دوماً وبحكمة تامة!
ثم يذهب ذلك المدّعي إلى البساط الزاهي المفروش على وجه الأرض والحلة القشيبة المزينة التي اُلبست، فخاطبه باسم الأسباب وبلغة الطبيعة ولسان الفلسفة: إنني أتمكن من التصرف في شؤونك ، فانا إذن مالك لك ولي حظ فيك في الأقل.
فيتكلم البساط المزركش والحلة القشيبة بلغة الحقيقة وبلسان الحكمة المودعة فيهما:إن كانت لك قدرة نافذة وإتقان بديع يجعلانك تنسج جميع هذه البسط المفروشة والحلل البهية التي تخلع على الأرض بعدد القرون والسنين ثم تنزعها عنها بنظام تام وتنشرها على حبل الزمان الماضي، ومن بعد ذلك تخيط ما تخلع عليها من حلل زاهرة بنقوشها وتفصّل تصاميمها في دائرة القدر.. وكذا إن كنت مالكاً ليد معنوية ذات قدرة وحكمة بحيث تمتد إلى كل شيء ابتداءً من خلق الأرض إلى دمارها، بل من الأزل إلى الأبد، فتجدد وتبدّل أفراد لحمة بساطي هذا وسداه.. وكذا إن كنت تستطيع أن تقبض على زمام الأرض التي تلبسنا وتكتسي بنا وتتستر.. نعم إن كنت هكذا فادعّ الربوبية عليّ.. وإلا فاخرج مذموماً مدحوراً من الأرض. فليس لك مقام هنا؛ إذ فينا من تجليات الوحدانية وأختام الأحدية بحيث مَن لم يكن جميع الكائنات في قبضة تصرفه ولم ير جميع الأشياء بجميع شؤونها دفعة واحدة، ولم يستطع أن يعمل أمورا لا تحد في آن واحد، ولم يكن حاضراً ورقيباً في كل مكان ومنزّهاً عن المكان والزمان.. لا يتمكن أن يكون مالكاً لنا أبدا، بل لا يمكن أن يتدخل في أمورنا مطلقاً. أي من لم يكن مالكاً لقدرة مطلقة وحكمة مطلقة وعلم مطلق، لا يمكن أن يتحكم فينا ويدّعي المالكية علينا.
رابعا: إن الجمال في الربيع يجعل النفوس تتشوف إلى من أبدعه وإن الحسن يجعل الأرواح تشتاق إلى أصله وإن النظام يحرك العقل والقلب إلى قانونه، فينتقل المتأمل من الطبيعة إلى خالقها ومن الجمال إلى مبدعه فتتعلق النفوس بصفات الخالق في جمالها وكمالها : يقول بديع الزمان النورسي في إحدى إشاراته: " إن محبتك للأشياء الجميلة وللربيع، أي نظرك إليها من زاوية قولك: (ما أجمل خلقه!) وتوجيه محبتك إلى ما وراء ذلك الشيء الجميل من جمال الأفعال وانتظامها، والى ما وراء تلك الأفعال المنسقة من جمال تجليات الأسماء الحسنى، والى ما وراء تلك الأسماء الحسنى من تجليات الصفات الجليلة وهكذا.. إن نتيجة هذه المحبة المشروعة هي: مشاهدة جمالٍ أسمى من ذلك الجمال الذي شاهدته في المصنوعات بألوف ألوف المرات. أي مشاهدة تجليات الأسماء الحسنى وجمال الصفات الجليلة بما يليق بالجنة ودار البقاء" .
فالحجاب الذي يمنع الإنسان من رؤية الجمال السامي ومشاهدة التجليات الجليلة هو حجاب الغفلة من الناظر ، ينظر ببصره لا ببصيرته وبعين رأسه لا بعين قلبه، وبعين الأسباب والطبيعة لا بعين الحكمة والتوحيد، فإذا تأمل بتدبر ونظر بتفكر اهتدى إلى الجمال الحقيقي وعاش حياة تناسق وتناغم بينه وبين الطبيعة، لا تحجبه عن الله ولا تمنعه من رؤية مولاه ، بل يراه في كل زهرة أو وردة من رياض الربيع، وإذ به يردد مع ابن عطاء السكندري في حكمه: " كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر لكل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء، كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود كل شيء ؟ .
فقرة عن فصل الربيع
فصل الربيع من أعدل الفصول وأجملها ، ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ونسيمه معتدل بين اليبوسة والرطوبة، وشمسه معتدلة في العلو والهبوط ، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض ، قال بعض العلماء كانت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول وفي فصل الربيع أيضا، وأنشد في ذلك:
يقـول لسـانُ الحـال مـنهُ وقولُ الحق يعذبُ للسميعِ
فوجهي والزمانُ وشهر وضعي ربيع في ربيـع في ربيعِ
فالربيع حديقة غناء وجمال ساحر، يشهد للحق في سره، ويناجي الخالق بروعة دلاله وبهجة جماله، كان مادة شعرية للشعراء، سحرهم بجماله وبهرهم بدلاله فجادت قرائحهم أجمل الأشعار وأروع الكلمات فقال الشاعر صفي الدين الحلي:
خلعَ الربيع على غصون البـان حللا فواضلها عـلى الكثـبان
ونمت فروع الدوح حتى صافحت كفَلََ الكثيب ذوائبُ الأغصان
وتتوَّجت هام الغصون وضرجت خدَّ الرياض شقائقُ النعمان
وقال الشاعر مصطفى بطران:
سكب الربيعُ على الزمان جمالا وسرى الجمال على التلال تلالا
لا لستُ أنكر أنَّ سحرك رائـع وبديـع حسنك قد حـباك جمالا
سر وانطلق ها لون زهرك ناضر وعبير وردك كـم يفوح زلالا
وقال ابن خاتمة الأنصاري:
أهلا بأيام الربيع وطيبِها أُنسِ الخليعِ ونزهةِ المتبتّل
فالربيع يأنس به الفقير الذي يرى في جماله ما يعوضه عن الحرمان وفي ضحكته ما يجدد في نفسه الآمال ، وفي نسماته عبير المستقبل ، وهو روضة للعابدين وأنس للموحدين وسعادة للمشتاقين، يرون الجمال في الخلق فيسبحون الخالق، والتجدد في الأزهار فتتجدد لهم الآمال بغد إيماني تتفتح فيه أزاهير الطاعات في نفوسهم ، فلا يجد كل منهم نفسه إلا وهو يتساءل مع الشاعر مصطفى بطران:
منْ يا ترى أعطاك أكبر قوة عجـبا وحقا هل أروم سؤالا
من ذا الذي سواك تبعث بهجة في العالمين وتسعد الأحوال
ثم يجيب على لسان كل موحد وكل مؤمن ليكشف سر جمال الربيع :
أنا يا ربيع أراك نفحة خالق وهب الحياة محـبة وجلالا
إنَّ الذي سواك ربّ مبدع يهب الجمال لمن يشاء جمالا
فأنى وجدت الجمال فاسأل عن مبدعه وأنى رأيت الصنعة فاسأل عن صانعها، لا تجعل الجمال يحول بينك وبين من سواه، ولا تشغل نفسك بالرسالة وتغفل عن مرسلها.
فالربيع له رسالة، يبعث بها عبر نسماته وأزهاره وعبيره ، رسالة من كلمات:
أولا: يحكي بلسان حاله حكاية الإنسان، وتغير أحواله، كيف وجد وكيف كبر وكيف شب ثم كيف عاد الكرة إلى ضعف وذبول ثم موت ثم بعث من جديد، كل وردة من وردات الربيع وكل زهرة من زهراته وكل نسمة من نسماته هي شريط مصور، هي تاريخ متحرك هي سيرة خلق تخاطب كل عاقل: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ( الحديد: 20)، { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً}، ( الكهف: الآية 45).
رسالة تقول: {كلُّ منْ عليها فان ويَبْقى وجْهُ ربِّك ذو الجلالِ والإكرام} ( الرحمن: الآية 26)، فالبقاء لله تعالى خالق الجمال ومبدع الألوان ، فهو حي لا يموت ، لا يحول ولا يزول، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم لك أسلمت ، وبك أمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون" .
ثانيا: أن الجمال يحمل نقيضه ، والحسن يخفي ضده، ففي مقالة نشرها المركز الفلسطيني للإعلام على الإنترنت تكلم فيها كاتبها عن نباتات الربيع ومنها : نبات اللوف ويحمل الاسم العلمي (لوف فلسطيني) ، و تحمل هذه النبتة تناقضاتٍ كثيرة داخلها ، فهي خضراء غامقة بشكلٍ جميل و ساطع ، و في الوقت ذاته فإنّ أوراقها تبدو خشنة ، و الأغرب أنها سامَّة بجميع أجزائها ، و رغم ذلك فإنّ هناك من يبحث عنها ليأكلها و تشكّل طبقاً مفضّلاً لدى كثيرٍ من الفلاحين الفلسطينيين .
وعزّزت معلوماتٌ نُشِرت عنها كنبتة مقاومة للسرطان ، إلى إقدام أجيالٍ شابة بالبحث عنها، و اختراع أطباق مختلفة منها تختلف عن تلك التقليدية التي تجيد طهيها كبيرات السن، و يقول أبو حسن عوينة و هو خبير أعشاب: إنّ اللوف مقاومٌ فعلاً لأمراض السرطان، وأنّ فوائده الطبية معروفة للعرب منذ القدم، و يضيف أنه بعد تجفيفه فإنّه يصبح غير سام ، و يتمّ طهيه بعد تجفيفه للتخلّص من سميته و للتخفيف من دسمه.
فالطبيعة الجميلة هي سلاح ذو حدين، فهي هداية لمن نظر إليها بعين الحكمة وهي غواية لمن غفل عن الحكمة فيها ، شأنها كشأن نبات اللوف جميل المنظر نافع لعلاج الأمراض لمن اهتدى للسر المودع فيه، ولكنه خشن الملمس سم قاتل لمن غفل عن سره واشتغل بمظهره.
ثالثا: أن التغير في الطبيعة من تنقل الفصول وتلون الزهور وتفتح الورود كل ذلك شاهد توحيد وبرهان إيمان، فالطبيعة الجميلة تشير بلسان الحال لمبدعها وتهدي في تغير الأحوال لخالقها:
تأمَّل سطور الكائنات فإنها من الملك الأعلى إليك رسائـلُ
وقد خُط فيها لو تأمَّلت خطها ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلُ
تشير بإثبات الصفات لربِّها فصامتها يهدي ومن هو قائـل
ومن الحوارات التمثيلية التي تبرز هذا المعنى ما افترضه بديع الزمان النورسي من حوار بين شخص يمثل الشرك بأنواعه ويتحدث باسم الأسباب المادية والفلسفة الضالة ويقابله المخلوقات التي شهدت بلسان حالها حكمة الباري وحسن تنظيمه، فيقول المشرك:
- أنتم أيها البشر تبدون في فوضى، فلا أرى نظاماً ينظمكم، فانا لكم رب ومالك ، أو في الأقل لي حصة فيكم، فردّ عليه حالاً نوع الإنسان بلسان الحق والحقيقة وبلغة الحكمة والانتظام: إن كنت ربَّا ومالكاً - أيها المدعي – فأين قدرتك التي تمكنك أن تُلبس الكرة الأرضية حلّة قشيبة ملونة بألوان زاهية منسوجة بكمال الحكمة بخيوط أنواع النباتات والحيوانات التي تزيد على مائة ألف نوع الشبيهة بنوعنا الإنساني، وتكون بوسعها نسج ذلك البساط البديع المفروش على الأرض من خيوط مئات الآلاف من أنواع الكائنات الحية، والتي هي في أبدع نقش وأجمله. وفــضلاً عن خـلق هذا البساط الرائع، تجدده دوماً وبحكمة تامة!
ثم يذهب ذلك المدّعي إلى البساط الزاهي المفروش على وجه الأرض والحلة القشيبة المزينة التي اُلبست، فخاطبه باسم الأسباب وبلغة الطبيعة ولسان الفلسفة: إنني أتمكن من التصرف في شؤونك ، فانا إذن مالك لك ولي حظ فيك في الأقل.
فيتكلم البساط المزركش والحلة القشيبة بلغة الحقيقة وبلسان الحكمة المودعة فيهما:إن كانت لك قدرة نافذة وإتقان بديع يجعلانك تنسج جميع هذه البسط المفروشة والحلل البهية التي تخلع على الأرض بعدد القرون والسنين ثم تنزعها عنها بنظام تام وتنشرها على حبل الزمان الماضي، ومن بعد ذلك تخيط ما تخلع عليها من حلل زاهرة بنقوشها وتفصّل تصاميمها في دائرة القدر.. وكذا إن كنت مالكاً ليد معنوية ذات قدرة وحكمة بحيث تمتد إلى كل شيء ابتداءً من خلق الأرض إلى دمارها، بل من الأزل إلى الأبد، فتجدد وتبدّل أفراد لحمة بساطي هذا وسداه.. وكذا إن كنت تستطيع أن تقبض على زمام الأرض التي تلبسنا وتكتسي بنا وتتستر.. نعم إن كنت هكذا فادعّ الربوبية عليّ.. وإلا فاخرج مذموماً مدحوراً من الأرض. فليس لك مقام هنا؛ إذ فينا من تجليات الوحدانية وأختام الأحدية بحيث مَن لم يكن جميع الكائنات في قبضة تصرفه ولم ير جميع الأشياء بجميع شؤونها دفعة واحدة، ولم يستطع أن يعمل أمورا لا تحد في آن واحد، ولم يكن حاضراً ورقيباً في كل مكان ومنزّهاً عن المكان والزمان.. لا يتمكن أن يكون مالكاً لنا أبدا، بل لا يمكن أن يتدخل في أمورنا مطلقاً. أي من لم يكن مالكاً لقدرة مطلقة وحكمة مطلقة وعلم مطلق، لا يمكن أن يتحكم فينا ويدّعي المالكية علينا.
رابعا: إن الجمال في الربيع يجعل النفوس تتشوف إلى من أبدعه وإن الحسن يجعل الأرواح تشتاق إلى أصله وإن النظام يحرك العقل والقلب إلى قانونه، فينتقل المتأمل من الطبيعة إلى خالقها ومن الجمال إلى مبدعه فتتعلق النفوس بصفات الخالق في جمالها وكمالها : يقول بديع الزمان النورسي في إحدى إشاراته: " إن محبتك للأشياء الجميلة وللربيع، أي نظرك إليها من زاوية قولك: (ما أجمل خلقه!) وتوجيه محبتك إلى ما وراء ذلك الشيء الجميل من جمال الأفعال وانتظامها، والى ما وراء تلك الأفعال المنسقة من جمال تجليات الأسماء الحسنى، والى ما وراء تلك الأسماء الحسنى من تجليات الصفات الجليلة وهكذا.. إن نتيجة هذه المحبة المشروعة هي: مشاهدة جمالٍ أسمى من ذلك الجمال الذي شاهدته في المصنوعات بألوف ألوف المرات. أي مشاهدة تجليات الأسماء الحسنى وجمال الصفات الجليلة بما يليق بالجنة ودار البقاء" .
فالحجاب الذي يمنع الإنسان من رؤية الجمال السامي ومشاهدة التجليات الجليلة هو حجاب الغفلة من الناظر ، ينظر ببصره لا ببصيرته وبعين رأسه لا بعين قلبه، وبعين الأسباب والطبيعة لا بعين الحكمة والتوحيد، فإذا تأمل بتدبر ونظر بتفكر اهتدى إلى الجمال الحقيقي وعاش حياة تناسق وتناغم بينه وبين الطبيعة، لا تحجبه عن الله ولا تمنعه من رؤية مولاه ، بل يراه في كل زهرة أو وردة من رياض الربيع، وإذ به يردد مع ابن عطاء السكندري في حكمه: " كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر لكل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء، كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود كل شيء ؟ .