بنت العرب
01-05-2018, 07:28 AM
https://www.kalimat1.com/upload/uploads/1515126479661.jpg
تقرير عن تحرير سيناء , مقالة عن تحرير سيناء
ربع قرن علي «تحرير» سيناء. ولأن رئيس الدولة الذي شاءت له الأقدار أن يرفع
علم مصر، عقب اكتمال انسحاب القوات المحتلة في ٢٥ أبريل عام ١٩٨٢، لم يكن
هو ذات الرئيس الذي قام بمحض إرادته بإبرام معاهدة «السلام»، التي تم
بموجبها سحب إسرائيل قواتها من سيناء، فقد اختلط الأمر علي الناس، وبدا
رافع العلم وكأنه هو ذاته محرر مصر من الاحتلال. وهنا تتجلي واحدة من
المفارقات التاريخية الكبري التي شهدتها مصر، خلال الربع الأخير من القرن
العشرين.
فرغم الاعتراف بوجود علاقة عضوية بين
حرب أكتوبر عام ٧٣، وتحرير سيناء عام ٨٢، والتسليم بالحقيقة القائلة بأنه
ما كان يمكن لمصر أن تستعيد كامل ترابها الوطني، ما لم يقاتل جيشها بكل هذه
البسالة، ويسقط خط بارليف، فإن خلط الأوراق بين رئيس الدولة الذي أعد
للحرب، وخطط لها، ورئيس الدولة الذي قدر له أن يتخذ قرار شنها شكل واحدة
أخري من تلك المفارقات التاريخية الكبري.
ولأن
رئيس الدولة الذي اتخذ قرار الحرب، لم يكن هو ذات الرئيس الذي آمن
بحتميتها، ووفر كل الإمكانات اللازمة لتحقيق النصر فيها، فقد أدت لعبة خلط
الأوراق إلي أن يبدو صاحب قرار الحرب، وكأنه صانعها وصاحب الفضل الأوحد في
الانتصار فيها. فإذا أضفنا إلي ذلك حقيقة أن الرئيس الذي آمن بحتمية الحرب،
من منطلق «إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»،
وصمم علي القتال واستعادة الكرامة، كان هو نفسه المسؤول عن هزيمة
٦٧ التي مكنت إسرائيل من احتلال سيناء، لتبين لنا إلي أي مدي كانت الأرضية
ممهدة لعملية خلط هائل ومتعمد في الأوراق، نجم عنه عدم التمييز بين من ضحوا
بجهدهم وبأرواحهم، ليصنعوا النصر والتحرير، ومن شاءت لهم الأقدار أن
يكونوا في مواقع تسمح لهم بالانتساب إليه، من أجل تحويله إلي تجارة رائجة
تكسّبوا منها كثيرا، ووظفوها لخدمة أجندتهم ومصالحهم الخاصة.
لقد اعتاد المصريون طوال تلك الفترة الممتدة، أن يتحول الاحتفال
بتحرير سيناء، إلي مناسبة للتفنن في إظهار عبدالناصر بمظهر الرجل المهزوم
والمسؤول عن احتلال سيناء، وإظهار السادات بمظهر الرجل المسؤول عن النصر
والتحرير، وإظهار حسني مبارك بمظهر الرجل المسؤول عن البناء والتعمير. وتلك
صورة صنعها إعلام رسمي موجه، افتقد الضمير الوطني والكفاءة المهنية معا،
لكنها لا تمت للحقائق التاريخية بصلة.
لست في
حاجة إلي التأكيد علي أن الصورة الخاصة لأي من هؤلاء الزعماء أو القادة
الثلاث، لا تهمني أو تعنيني في قليل أو كثير. فلم يسبق لأي منهم أن قدم لي
خدمة أو منفعة شخصية، أو تسبب في إلحاق أي ضرر أو أذي بي. ما يعنيني، وأظن
أنه يعنينا جميعا، هو صورة مصر وتاريخها.
ومن
هذا المنطلق أود أن أقول إنه لا يصح النظر إلي العملية، التي أدت إلي تحرير
سيناء، كعملية منفصلة ومستقلة بذاتها، بل يتعين النظر إليها باعتبارها
حلقة في سلسلة تاريخية من نضال شعبي طويل، استهدف تحرير التراب الوطني في
كل مرة تعرض فيها للغزو والاحتلال، لا باعتباره هدفا في حد ذاته، ولكن
باعتباره وسيلة لهدف أعظم، وهو تحرير الإرادة الوطنية وتمكينها من
الانطلاق، لتحقيق تقدم وازدهار الوطن كله.
وحتي
إذا أخذنا عملية تحرير سيناء كحلقة مستقلة بذاتها، فليس بوسع أحد أن ينكر
أن الشعب هو صاحب الفضل الأوحد في الانتصار الذي تحقق، لأنه الطرف الذي قدم
كل التضحيات المادية والبشرية التي تطلبها، وبالتالي هو صاحب الحق الأوحد
في التمتع بثمراته.
ولذلك فحين تجد مصر نفسها
بعد ٢٥ عاما من تحرير الأرض ضعيفة إلي هذا الحد، وغائبة عن محيط إقليمي
اشتعلت فيه الأزمات، التي باتت تحاصرها من كل جانب، وتقترب رويداً رويداً
من حدودها، وحين تجد مصر نفسها فاقدة إرادتها الوطنية، التي تبدو مكبلة
بالأغلال، وعاجزة عن خلق فرص عمل شريفة لملايين من أبنائها، تحولوا إلي
عاطلين ومتسولين ومشردين في بقاع الأرض، وحين تجد مصر نفسها عاجزة عن توفير
فرص تعليم ملائمة أو خدمات صحية حقيقية للغالبية الساحقة من أبنائها، فمن
حقها أن تتساءل: لم كانت كل تلك التضحيات، ومن الذي استفاد منها في
النهاية؟
كانت النخبة المصرية في مرحلة من
المراحل، تبدو منشغلة في حرب شبه قبلية بين أنصار عبدالناصر وأنصار
السادات، ويري كل فريق أن زعيمه هو البطل الحقيقي، وأن غريمه هو المهزوم
الذي تسبب لمصر في كل ما مرت، وتمر به من كوارث وأزمات.
غير أن هذه الحرب يجب أن تنتهي الآن. فإذا كان حظ عبدالناصر
العاثر، قد حال بينه وبين قيادة حرب التحرير بنفسه، ورحل قبل أن تثأر مصر
لكرامتها، إلا أن ما جري لمصر بعد ذلك يثبت بالدليل القاطع أن هذا الرجل
أحب مصر، وبادلته مصر حباً بحب. ويكفي أنه كان صاحب مشروع وطني خاض لتحقيقه
معارك مظفرة كثيرة، لم يكن أقلها تحرير البلاد من المحتل البريطاني
والإصلاح الزراعي وبناء السد العالي.
وإذا كان
حظ السادات العاثر قد حال بينه وبين رفع العلم المصري، بعد اكتمال انسحاب
المحتل الإسرائيلي ورحل، بينما كل رموز النخبة المصرية قابعة في السجون،
إلا أن التاريخ لن ينسي له مطلقا أنه كان صاحب قرار العبور العظيم.
ورغم اختلاف كثيرين، وأنا منهم، مع أسلوبه في إدارة الصراع
العربي - الإسرائيلي، فإنني أعتقد أن هذا الرجل المغامر إلي حد المقامرة،
ما كان سيقبل مطلقا أن تتلاعب به الولايات المتحدة وإسرائيل، علي نحو ما
نراه الآن، وأنه كان يملك من الدهاء السياسي ما يؤهله للتعامل معه بقدر
أكبر من الكفاءة. ولا أعتقد أيضا أن حبه الشديد لذاته، التي ظل يبحث عنها
حتي مماته، كان يمكن أن يصل به إلي حد الرغبة في امتلاك مصر وتوريثها لأحد
أبنائه، كما يحدث الآن.
لذلك أعتقد أن مشكلة
مصر الحقيقية هي مع مبارك، وليس مع أحد غيره. فعبدالناصر، بكل جبروته، لم
يحكم مصر سوي ستة عشر عاما، والسادات، بكل دهائه أيضا، لم يحكم مصر سوي أحد
عشر عاما، أما مبارك، الذي لم يعرف له تاريخ سياسي من قبل، ولم يكن مضطراً
إلي خوض معركة الحرب، ولا إلي خوض معركة سلام، فقد تسلم البلاد محررة، أو
شبه محررة واستفاد من أفضل ما أنجزه عبدالناصر والسادات، دون أن يتحمل أياً
من تبعات أخطائهما. فماذا أنجز الرئيس مبارك بالضبط طوال تلك الفترة، التي
تبلغ إجمالي فترتي عبدالناصر والسادات.
في
تقديري أن هذا الإنجاز لا يتعدي أمرين: الأول قيادة معركة طابا، وقتها كان
مبارك يبدو شخصا مختلفا كل الاختلاف، ويستمع إلي الخبراء والفنيين، وتحسين
البنية الأساسية من طرق وكباري واتصالات. وفيما عدا ذلك يمكن القول إن حال
مصر الآن أسوأ بكثير، مما كانت عليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ولنقارن مثلا بين حال مصر الآن، وبين حال ألمانيا أو
اليابان أو إيطاليا بعد ٢٥ سنة من هزيمتها واستسلامها، بل فلنقارن بين حال
مصر وكوريا الجنوبية بعد ٢٥ عاما من تحريرها من الاستعمار الياباني، أظن أن
الفرق شاسع جدا.
لقد عاشت مصر طويلا علي نغمة
دعائية سامة، تقول إن الحروب التي خاضتها من أجل فلسطين هي التي أفقرتها،
وتسببت في تعثرها وتخلفها. فهل كان وضع مصر حين تسلمها الرئيس مبارك، يشبه
وضع ألمانيا أو اليابان أو إيطاليا، أو حتي كوريا الجنوبية بعد الحرب
العالمية الثانية. بالتأكيد لا.
فقد كانت هذه
الدول جميعاً منهارة كلياً، ولا تكاد شعوبها تجد ما تقتات به، وهو وضع
يختلف تماماً عن وضع مصر عام ١٩٨١، حين تسلم مبارك مسؤولية السلطة فيها.
فعلي الصعيد السياسي لا وجود مستقلاً لمصر مطلقاً علي المسرحين الدولي
والإقليمي، وعلي الصعيد الاقتصادي لم تتمكن مصر من تحقيق أي انطلاقة تنموية
يعتد بها، وعلي الصعيد الاجتماعي تبدو مصر وكأنها مقدمة علي كارثة كبري،
بسبب البطالة والفقر وانتشار الجريمة.
لا شك أن
هناك شريحة صغيرة استفادت واغتنت وتضخمت ثرواتها، إلي درجة تبدو خيالية،
لكن حال الأغلبية الساحقة من شعب مصر يبدو بائساً.
صحيح أن المرافق الحيوية من الطرق والمجاري والاتصالات، كانت
تبدو في حالة يرثي لها، مقارنة بما هي عليه الآن، لكن ماذا يجدي التحسن في
حال المرافق العامة، إذا لم يصاحبه تحسن مماثل في أحوال المعيشة والخدمات
الصحية والتعليمية. نعم لقد استفاد بعض الناس في مصر، لكن قدرات الوطن ككل
تآكلت،، وتدهورت أوضاع التعليم والعلم والتكنولوجيا، علي نحو ليس له مثيل
في تاريخ مصر.
ويكفي أن يتجول الإنسان داخل حرم
أفضل الجامعات المصرية، أو داخل عنابر أرقي المستشفيات المصرية، أو في
شوارع أرقي الأحياء المصرية، ويقارن حال تلك الجامعات والمستشفيات والأحياء
بحالها، لا أقول قبل الثورة، ولكن منذ ٢٥ سنة فقط، أو بين حالها وحال
مثيلاتها، لا أقول في لندن وباريس ونيويورك، ولكن في عمان والكويت
والمنامة، ليدرك أن مصر تسير في الاتجاه المعاكس، وليس في طريق التقدم.
ورغم ذلك يعتقد الرئيس مبارك أنه صنع لمصر ما يؤهله، ليس
فقط للبقاء في السلطة مدي الحياة، ولكن لتوريثها، ونقلها إلي ابنه
النابغة.. فهل هذا معقول؟ وهل ستقبل مصر؟
تقرير عن تحرير سيناء , مقالة عن تحرير سيناء
ربع قرن علي «تحرير» سيناء. ولأن رئيس الدولة الذي شاءت له الأقدار أن يرفع
علم مصر، عقب اكتمال انسحاب القوات المحتلة في ٢٥ أبريل عام ١٩٨٢، لم يكن
هو ذات الرئيس الذي قام بمحض إرادته بإبرام معاهدة «السلام»، التي تم
بموجبها سحب إسرائيل قواتها من سيناء، فقد اختلط الأمر علي الناس، وبدا
رافع العلم وكأنه هو ذاته محرر مصر من الاحتلال. وهنا تتجلي واحدة من
المفارقات التاريخية الكبري التي شهدتها مصر، خلال الربع الأخير من القرن
العشرين.
فرغم الاعتراف بوجود علاقة عضوية بين
حرب أكتوبر عام ٧٣، وتحرير سيناء عام ٨٢، والتسليم بالحقيقة القائلة بأنه
ما كان يمكن لمصر أن تستعيد كامل ترابها الوطني، ما لم يقاتل جيشها بكل هذه
البسالة، ويسقط خط بارليف، فإن خلط الأوراق بين رئيس الدولة الذي أعد
للحرب، وخطط لها، ورئيس الدولة الذي قدر له أن يتخذ قرار شنها شكل واحدة
أخري من تلك المفارقات التاريخية الكبري.
ولأن
رئيس الدولة الذي اتخذ قرار الحرب، لم يكن هو ذات الرئيس الذي آمن
بحتميتها، ووفر كل الإمكانات اللازمة لتحقيق النصر فيها، فقد أدت لعبة خلط
الأوراق إلي أن يبدو صاحب قرار الحرب، وكأنه صانعها وصاحب الفضل الأوحد في
الانتصار فيها. فإذا أضفنا إلي ذلك حقيقة أن الرئيس الذي آمن بحتمية الحرب،
من منطلق «إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»،
وصمم علي القتال واستعادة الكرامة، كان هو نفسه المسؤول عن هزيمة
٦٧ التي مكنت إسرائيل من احتلال سيناء، لتبين لنا إلي أي مدي كانت الأرضية
ممهدة لعملية خلط هائل ومتعمد في الأوراق، نجم عنه عدم التمييز بين من ضحوا
بجهدهم وبأرواحهم، ليصنعوا النصر والتحرير، ومن شاءت لهم الأقدار أن
يكونوا في مواقع تسمح لهم بالانتساب إليه، من أجل تحويله إلي تجارة رائجة
تكسّبوا منها كثيرا، ووظفوها لخدمة أجندتهم ومصالحهم الخاصة.
لقد اعتاد المصريون طوال تلك الفترة الممتدة، أن يتحول الاحتفال
بتحرير سيناء، إلي مناسبة للتفنن في إظهار عبدالناصر بمظهر الرجل المهزوم
والمسؤول عن احتلال سيناء، وإظهار السادات بمظهر الرجل المسؤول عن النصر
والتحرير، وإظهار حسني مبارك بمظهر الرجل المسؤول عن البناء والتعمير. وتلك
صورة صنعها إعلام رسمي موجه، افتقد الضمير الوطني والكفاءة المهنية معا،
لكنها لا تمت للحقائق التاريخية بصلة.
لست في
حاجة إلي التأكيد علي أن الصورة الخاصة لأي من هؤلاء الزعماء أو القادة
الثلاث، لا تهمني أو تعنيني في قليل أو كثير. فلم يسبق لأي منهم أن قدم لي
خدمة أو منفعة شخصية، أو تسبب في إلحاق أي ضرر أو أذي بي. ما يعنيني، وأظن
أنه يعنينا جميعا، هو صورة مصر وتاريخها.
ومن
هذا المنطلق أود أن أقول إنه لا يصح النظر إلي العملية، التي أدت إلي تحرير
سيناء، كعملية منفصلة ومستقلة بذاتها، بل يتعين النظر إليها باعتبارها
حلقة في سلسلة تاريخية من نضال شعبي طويل، استهدف تحرير التراب الوطني في
كل مرة تعرض فيها للغزو والاحتلال، لا باعتباره هدفا في حد ذاته، ولكن
باعتباره وسيلة لهدف أعظم، وهو تحرير الإرادة الوطنية وتمكينها من
الانطلاق، لتحقيق تقدم وازدهار الوطن كله.
وحتي
إذا أخذنا عملية تحرير سيناء كحلقة مستقلة بذاتها، فليس بوسع أحد أن ينكر
أن الشعب هو صاحب الفضل الأوحد في الانتصار الذي تحقق، لأنه الطرف الذي قدم
كل التضحيات المادية والبشرية التي تطلبها، وبالتالي هو صاحب الحق الأوحد
في التمتع بثمراته.
ولذلك فحين تجد مصر نفسها
بعد ٢٥ عاما من تحرير الأرض ضعيفة إلي هذا الحد، وغائبة عن محيط إقليمي
اشتعلت فيه الأزمات، التي باتت تحاصرها من كل جانب، وتقترب رويداً رويداً
من حدودها، وحين تجد مصر نفسها فاقدة إرادتها الوطنية، التي تبدو مكبلة
بالأغلال، وعاجزة عن خلق فرص عمل شريفة لملايين من أبنائها، تحولوا إلي
عاطلين ومتسولين ومشردين في بقاع الأرض، وحين تجد مصر نفسها عاجزة عن توفير
فرص تعليم ملائمة أو خدمات صحية حقيقية للغالبية الساحقة من أبنائها، فمن
حقها أن تتساءل: لم كانت كل تلك التضحيات، ومن الذي استفاد منها في
النهاية؟
كانت النخبة المصرية في مرحلة من
المراحل، تبدو منشغلة في حرب شبه قبلية بين أنصار عبدالناصر وأنصار
السادات، ويري كل فريق أن زعيمه هو البطل الحقيقي، وأن غريمه هو المهزوم
الذي تسبب لمصر في كل ما مرت، وتمر به من كوارث وأزمات.
غير أن هذه الحرب يجب أن تنتهي الآن. فإذا كان حظ عبدالناصر
العاثر، قد حال بينه وبين قيادة حرب التحرير بنفسه، ورحل قبل أن تثأر مصر
لكرامتها، إلا أن ما جري لمصر بعد ذلك يثبت بالدليل القاطع أن هذا الرجل
أحب مصر، وبادلته مصر حباً بحب. ويكفي أنه كان صاحب مشروع وطني خاض لتحقيقه
معارك مظفرة كثيرة، لم يكن أقلها تحرير البلاد من المحتل البريطاني
والإصلاح الزراعي وبناء السد العالي.
وإذا كان
حظ السادات العاثر قد حال بينه وبين رفع العلم المصري، بعد اكتمال انسحاب
المحتل الإسرائيلي ورحل، بينما كل رموز النخبة المصرية قابعة في السجون،
إلا أن التاريخ لن ينسي له مطلقا أنه كان صاحب قرار العبور العظيم.
ورغم اختلاف كثيرين، وأنا منهم، مع أسلوبه في إدارة الصراع
العربي - الإسرائيلي، فإنني أعتقد أن هذا الرجل المغامر إلي حد المقامرة،
ما كان سيقبل مطلقا أن تتلاعب به الولايات المتحدة وإسرائيل، علي نحو ما
نراه الآن، وأنه كان يملك من الدهاء السياسي ما يؤهله للتعامل معه بقدر
أكبر من الكفاءة. ولا أعتقد أيضا أن حبه الشديد لذاته، التي ظل يبحث عنها
حتي مماته، كان يمكن أن يصل به إلي حد الرغبة في امتلاك مصر وتوريثها لأحد
أبنائه، كما يحدث الآن.
لذلك أعتقد أن مشكلة
مصر الحقيقية هي مع مبارك، وليس مع أحد غيره. فعبدالناصر، بكل جبروته، لم
يحكم مصر سوي ستة عشر عاما، والسادات، بكل دهائه أيضا، لم يحكم مصر سوي أحد
عشر عاما، أما مبارك، الذي لم يعرف له تاريخ سياسي من قبل، ولم يكن مضطراً
إلي خوض معركة الحرب، ولا إلي خوض معركة سلام، فقد تسلم البلاد محررة، أو
شبه محررة واستفاد من أفضل ما أنجزه عبدالناصر والسادات، دون أن يتحمل أياً
من تبعات أخطائهما. فماذا أنجز الرئيس مبارك بالضبط طوال تلك الفترة، التي
تبلغ إجمالي فترتي عبدالناصر والسادات.
في
تقديري أن هذا الإنجاز لا يتعدي أمرين: الأول قيادة معركة طابا، وقتها كان
مبارك يبدو شخصا مختلفا كل الاختلاف، ويستمع إلي الخبراء والفنيين، وتحسين
البنية الأساسية من طرق وكباري واتصالات. وفيما عدا ذلك يمكن القول إن حال
مصر الآن أسوأ بكثير، مما كانت عليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ولنقارن مثلا بين حال مصر الآن، وبين حال ألمانيا أو
اليابان أو إيطاليا بعد ٢٥ سنة من هزيمتها واستسلامها، بل فلنقارن بين حال
مصر وكوريا الجنوبية بعد ٢٥ عاما من تحريرها من الاستعمار الياباني، أظن أن
الفرق شاسع جدا.
لقد عاشت مصر طويلا علي نغمة
دعائية سامة، تقول إن الحروب التي خاضتها من أجل فلسطين هي التي أفقرتها،
وتسببت في تعثرها وتخلفها. فهل كان وضع مصر حين تسلمها الرئيس مبارك، يشبه
وضع ألمانيا أو اليابان أو إيطاليا، أو حتي كوريا الجنوبية بعد الحرب
العالمية الثانية. بالتأكيد لا.
فقد كانت هذه
الدول جميعاً منهارة كلياً، ولا تكاد شعوبها تجد ما تقتات به، وهو وضع
يختلف تماماً عن وضع مصر عام ١٩٨١، حين تسلم مبارك مسؤولية السلطة فيها.
فعلي الصعيد السياسي لا وجود مستقلاً لمصر مطلقاً علي المسرحين الدولي
والإقليمي، وعلي الصعيد الاقتصادي لم تتمكن مصر من تحقيق أي انطلاقة تنموية
يعتد بها، وعلي الصعيد الاجتماعي تبدو مصر وكأنها مقدمة علي كارثة كبري،
بسبب البطالة والفقر وانتشار الجريمة.
لا شك أن
هناك شريحة صغيرة استفادت واغتنت وتضخمت ثرواتها، إلي درجة تبدو خيالية،
لكن حال الأغلبية الساحقة من شعب مصر يبدو بائساً.
صحيح أن المرافق الحيوية من الطرق والمجاري والاتصالات، كانت
تبدو في حالة يرثي لها، مقارنة بما هي عليه الآن، لكن ماذا يجدي التحسن في
حال المرافق العامة، إذا لم يصاحبه تحسن مماثل في أحوال المعيشة والخدمات
الصحية والتعليمية. نعم لقد استفاد بعض الناس في مصر، لكن قدرات الوطن ككل
تآكلت،، وتدهورت أوضاع التعليم والعلم والتكنولوجيا، علي نحو ليس له مثيل
في تاريخ مصر.
ويكفي أن يتجول الإنسان داخل حرم
أفضل الجامعات المصرية، أو داخل عنابر أرقي المستشفيات المصرية، أو في
شوارع أرقي الأحياء المصرية، ويقارن حال تلك الجامعات والمستشفيات والأحياء
بحالها، لا أقول قبل الثورة، ولكن منذ ٢٥ سنة فقط، أو بين حالها وحال
مثيلاتها، لا أقول في لندن وباريس ونيويورك، ولكن في عمان والكويت
والمنامة، ليدرك أن مصر تسير في الاتجاه المعاكس، وليس في طريق التقدم.
ورغم ذلك يعتقد الرئيس مبارك أنه صنع لمصر ما يؤهله، ليس
فقط للبقاء في السلطة مدي الحياة، ولكن لتوريثها، ونقلها إلي ابنه
النابغة.. فهل هذا معقول؟ وهل ستقبل مصر؟